المقابر الصخرية في دادان (الخريبة)

يضم جبل دادان (الخريبة) مجموعة من المقابر الصخرية التي تتميز بتصميمات وأحجام مختلفة، وأغلب هذه المقابر فجوات مربعات الشكل تقريباً ومحفورة في واجهة الجبل بعمق يزيد على 2م نحو الداخل، ويؤرخ أقدمها إلى القرن الخامس قبل الميلاد – أي خلال فترة السيادة اللحيانية – وقد نحتت هذه المقابر بأشكال متساوية حيث وجد ما يقارب 20 منها على مستوى واحد تقريباً وأثنان منهما زينتا بواجهة من أسدين منحوتين بجانب القبر، بوصفهما رمزين دينيين للحماية، أو ربما تمييزاً لمقابر بعض كبار الشخصيات أو الحكام، وخصوصاً أنَّ هيئة الأسد تعني شخصية الزعيم في حضارات بلاد الرافدين ووادي النيل و الحثيين.

ويرى كاسكل أنَّ ملاحظته لبعض الاختلافات في أسلوب نحت الأسود الخاصة وتفاصيلها بكلتا المقبرتين أن إحداهما معينية وأخرى ترجع إلى الفترة اللحيانية المتأخرة. ولعل ما يعزز وجهة نظر كاسكل أن إحدى الجالية المعينية المستوطنة في العلا – آنذاك – هو وجود نقش معيني بين الأسدين يقرأ نصه:

1-  هـ ن أ / ب ن / و هـ ب إ ل

2-  ذ م ل ح / هـ ن / ب خ ط أ ت / ن

3-  ك ر ح / و و د / أ ح ل ذ ي

4-  ذ ي ن ق ل / ق ب ر ن / ع م ر

5-  خ ر ف ن /و أ ر ض ن

القراءة:

1-  هانئ بن وهب إل

2-  آل مليح كفَّر ع معاصيه

3-  بقرابين للإله نكرح وللإله ودَّ

4-  ولتعاقب (الإلهة) كل من ينقل (يخرب، يدمر) القبر ما دامت

5-  الأرض والسماء (إلى أبد الدهر)

لقد نحتت بعض هذه المقابر من الداخل على شكل غرفة تتوزع حفرات الدفن في جدرانها أو أسفل أرضيتها. وتوجد في المنطقة مقابر فردية عادية مستطيلة، نحتت في أرضية الجبل، ودونت على سطوح بعض مقابر دادان (الخريبة) الصخرية نقوش توضح ملكية المقابر. وحددت على واجهة الجبل حدود لمساحات خصصت لمقابر أخرى لم يتم نحتها. أو بدأ العمل فيها ولم يستكمل.

وعثر في موقع مقابر دادان (الخريبة) الصخرية على بقايا عظيمة، وكذلك بعض لفائف وأقمشة الأكفان، وبقايا خشبية لبعض توابيت الدفن.

الخط اللحياني

ينسب الخط اللحياني إلى مملكة لحيان التي اتخذت من دادان (العلا حالياً) مركزاً لها في حوالي القرن السادس قبل الميلاد، ويعتبر الخط اللحياني امتدادا للخط الداداني المشتق من المسند الجنوبي حيث يتضح من خلال أشكال رسم الحروف اللحيانية خاصة في مراحله المبكرة أنه مأخوذ بدون تغير عن أسلافهم الدادانيين مما أدى إلى حدوث تطوراً في بعض أشكال الحروف مما جعل العلماء المتخصصين أن يقسموا الخط اللحياني إلى لحياني مبكر ولحياني متأخر.

يرجع تاريخ النقوش اللحيانية لفترة ما بين القرن السادس إلى نهاية القرن الثاني قبل الميلاد وتنتشر هذه النقوش في منطقة العلا وما حولها حيث عُثر على مجموعة من النقوش في موقع الخريبة وأبو العود والحجر وجبل عكمة ووادي أبو ساق وتلعة الحمادي.

يحتوي الخط اللحياني على 27 حرفاً صامتاً، وللحرف أكثر من شكل إلا أنها متقاربة تكتب غالباً من اليمين إلى اليسار وتفصل كلماته بخط عمودي وفي بعض النصوص بخطين أفقين متقابلين وأحياناً بنقطتين أو نقطة واحدة وبعضها لا تفصل بأي من الفواصل السابقة، ويتضح في الخط اللحياني ظهور المد حيث أن حرف الهاء يرمز إلى ألف مد في المواضع التي تتطلب ذلك. وتظهر في بعض نقوش الخط اللحياني المتأخر من موقع أم درج حروف اللين في بعض الأسماء على سبيل المثال: ذ غ ي ب ت ولفظة ف ر ض ي هـ كُتبت النقوش اللحيانية بطريقة الحفر البارز وكذلك الغائر وغالباً مما تتحدث النقوش عن أمور شخصية، وجميع الشواهد الكتابية في منطقة العلا مكتوبة أما على واجهات صخرية أو ألواح حجرية أو مذابح ومجامر منحوتة من الحجر.

قاموس يجمع حروف الخطوط القديمة ومنها اللحياني وما يقابلها بالخط العربي الحالي 

 ونذكر مثالاً من تلك النقوش نقشاً عثر عليه في جبل عكمه يقرأ النص:

1-   ر ي ن هـ / ب ن / ع ب د                         رينه بن عبد

2-   ن أ هـ / أ ط ل ل / هـ ط ل ل / ذ                نأهـ أطلل (قدم) الطلل(الزكوات)  

3-   هـ / ب ك هـ ل / ب ع د / هـ ع ر ض           ذهـ (هذه) بكهل بعد (عن) العرض    

4-   و ذ ك ن / ل هـ / ب ب د ر / ل ذ غ ب (ت)   والذي كان له ببدر لذي غابة

معاني الكلمات:

رينة: أسم علم بسيط لشخص على وزن فعلة، والرينة في اللسان تعني الخمرة.

بن: ابن

عبد نأهـ: أسم علم مركب لشخص

أطلل: قدَّم أو قرَّب

هطلل: الهاء أداة تعريف، الطلل تعني الزكاة.

ذهـ: أسم إشارة (هذا) للتأكيد

بكهل: الباء حرف جر، وكهل ظرف زمان

بعد: الباء حرف جر، وعد بمعنى عن

هعرض: الهاء أداة تعريف، والعرض هو متاع الدنيا قلَّ أو كثُرَ.

وذكن: الواو حرف عطف، وذ يعني الذي أسم موصول، وكن بمعنى كان فعل ماضي.

له: جار ومجرور

ببدر: الباء حرف جر، وبدر أسم مكان*

لذغبت: لذي غابة. 

موضوعات الرسوم الصخرية في المملكة

تختلف مواقع الرسوم باختلاف المساحة والنمط والكيفية والأسلوب والموضوع والفترة التاريخية وللرسوم موضوعات مختلفة تعكس مدى المستوى الحضاري لذلك المجتمع القديم فتارة نرى رسوم آدمية بملامح مختلفة تجسدت في مشاهد اجتماعية كالرقص ومشاهد حربية قتالية بين مجموعتين أو شخصين وتتضح من خلال الأسلحة الحربية وربما تحكي الرسوم معركة حدثت لم يسطرها التاريخ الورقي!، فهذه الرسوم تعكس عدم الاستقرار الأمني والاجتماعي وبالطبع الحروب والقتال الدائم بين الجمعات البشرية لا تنم عن الأمن والأمان في ذلك الوقت. ومشاهد الصيد تكررت كثيراً على واجهات جبال المملكة فيمثَّل رسم آدمي وهو يرمي الوعل أو البقر أو الحمار أو الجمل (قبل مرحلة أستأنسه) بعدة أسلحة منها الرماح والسيوف والأسهم ومنها بعضاً من الأسلحة الغامضة. وبطبيعة الحال وقبل ظهور الإسلام كانت تنتشر عبادة الأوثان فتظهر مشاهد دينية متمثلة بأشكال معينة يرمز لها للآلهة العربية القديمة. عادة نرى طبعات أيدي شبه مرفوعة وكفوف وهي تعد جانباً ديني أو تعبدي يحث على حماية هذا الأثر سواء كان رسم صخري أو منشأه حجرية.

 نموذج من المشاهد القتالية الأستعراضية يتضح الفارس وجواده وبيده اليمنى رمح طويل مبالغ فيه ويحمل سيفاً معلقاً بحزامه وبيده اليسرى يمسك بالرسن - جبة 

 رسوم آدمية حربية بالشكل الطبيعي وتتضح السيوف بشكل واضح - تثليث

 رسوم حيوانية لأبقار ذات القرون المقوسة والطويلة (المنقرضة من شبه الجزيرة العربية) التي يعود عمرها إلى ما يزيد عن 9000 ألف سنة مضت وهذه الرسوم تعكس وفرة الغطاء النباتي في تلك الحقبة من الزمن. - جبل العُهين ، الحناكية

رسوم آدمية ملونة ويلاحظ وجود سلاح الجنبية الذي لا يزال سكان الجنوب يتزينون به حفاظاً على تراثهم العريق - الباحة 

من مشاهد صيد النعام البري يلاحظ رسم الأدمي وهو على حصانه ويرمي برمحه الطويل على النعام. - سكاكا

هل يظهر الجنسَّ في الرسوم الصخرية؟

الرسوم الصخرية تعكس لنا الواقع الذي كانت تعيشه تلك المجتمعات الحضارية القديمة من ثقافة وفنون ودين واقتصاد واجتماع وغيرها من مقومات الحضارة، ظهرت على واجهات بعض جبال المملكة رسومات جنسيَّة للذكر والأنثى يوضَّح من خلال رسم الجنس والعضو التناسلي له وكذلك رسوم لها علاقة بالاتصال الجنسيَّ بين الذكر والأنثى فنرى رسوماً تجسد هذه العلاقات الجنسيَّة وقد وجدت بشكل نادر في المملكة حيث عثر عليها في جبة وفي تيماء وفي العلا ونذكر على سبيل المثال:

وهذا مصدر غني بموضوع الدراسة للدكتور عبدالله العبدالجبار:

https://ia600403.us.archive.org/29/items/Pdfarabic46/pdfarabic_46.pdf

جبل عكمة

يقع جبل عكمة على بعد 3 أكيال إلى الشمال الغربي من محافظة العلا، تبلغ أهميته في كونه أحد السجلات التاريخية لمملكة لحيان إلى جانب مواقع أخرى مثل جبل الخريبة وتلعة الحمادي وأبو عود فيعد عكمه بمثابة المكتبة المفتوحة المليئة بالكتابات اللحيانية الدينية التي خصصت جُلَّها لتقديم الزكاة والنذور للإله الرئيسي لدى اللحيانيين ذو غبت = ذو غابة، ذو غيبة. يرى الدكتور الحسين أبو الحسن أنَّ منطقة عكمة قد يكون من المحتمل أنه مكان نزول أرباب القوافل والتجار القادمين من خارج العلا (ددن عاصمة مملكة لحيان). 

وللمزيد من التعمق حول الكتابات اللحيانية أضع بين أيدكم كتاباً يعتبر من أهم الكتب التي تطرقت إلى الكتابة اللحيانية وهو للمؤلف الدكتور الحسين أبو الحسن: 

صورة تظهر جبل عكمة:

ونذكر مجموعة من النقوش اللحيانية في جبل عكمة:

كما وجدت رسوم لآلات موسيقية وترية تشبه (السمسمية) بجل عكمة على ما يبدو أنَّ اللحيانيين كان لديهم فنَّ موسيقي في ذلك الوقت:

فيديو من تصوير الزميل سعد التويجري اثناء زيارته لجبل عكمة:

الرسومات الصخرية في المملكة العربية السعوودية

تعتبر الرسومات الصخرية أحد أهم ركائز علم الآثار ودراسة حضارات العصر القديم بجميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، يعد فن الرسم الصخري من أقدم صور الابداع الذي أستخدمه الإنسان منذ العصور الحجرية القديمة قبل مرحلة الكتابة، يرى بعض العلماء أنَّ الرسوم الصخرية هي مرحلة مبكرة لتطور الكتابة.

بلا شك يعد الصخر المادة الأساسية في تكوين الأرض قال تعالى: (وَألْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أن تَمِيدَ بِكُمْ وَأنْهَاراً وَسُبُلاً لّعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ) سورة النحل آية 15. كان الإنسان بحاجة ماسة إلى صنع أدوات يستخدمها في حياته اليومية فلجأ إلى الحجر فهو أول مادة يستخدمها الأنسان وأستطاع من خلاله أن يصطاد الحيوانات الذي تشكل مصدر عيشه وبقاءه حياُ، وأستخدم الحجر للدفاع عن نفسه من الحيوانات المفترسة. وأستخدم الإنسان الصخر كملاجئ يلجأ إليها وتكون مأوى وحماية له. وأستخدمه في بناء البيوت والمدافن، كما أنَّ الأوثان صنعت في بادي أمرها من الحجر ونحتت منها جُل الآلهة العربية القديمة. وشكَّل الصخر سجلاً للحضارات القديمة فكونت الرسوم أولاً والنقوش ثانياً منذ عصور ما قبل التاريخ وفي العصور التاريخية. فيعرَّف فن الرسم الصخري بأنه تعبير فني تركه الإنسان على أسطح الصخور.

عدد من الأدوات الحجرية التي استخدمت في الرسوم الصخرية.

تزخر المملكة العربية السعودية في عدد كبير من مواقع الرسوم الصخرية المنتشرة في أنحاء مناطقها، فلا يكاد تخلو جبالها من رسوم صخرية تعكس جوانب متعددة وبالطبع تختلف التقنية من موقع إلى آخر وذلك بحسب القدرة والمستوى العالي لدى أي من المجتمعات القديمة. 

أهمية الرسوم الصخرية:

إضافة إلى انها تشكل أبداع فني يعبر عن ثقافة الإنسان القديم وحياته، فهي أحد الوسائل المهمة لفهم مسيرة الحياة البشرية الحضارية والتعرف على الطرق المعيشية كونها رسخت بشكل سجل وأرشيف مصور يحكي عدة جوانب من الجوانب الحياة التي تشكل أحد الإنجازات الحضارية الإنسان المجتمع القديم، الرسوم الصخرية تشكل جزء كبير من الإرث الحضاري العظيم للوطن وتعتبر أول محاولة للإنسان للتعبير عما بداخله من أحاسيس ومشاعر بفترة سبقت الكتابة بآلاف السنين.

بئر رومة

تقع بئر رومة في المدينة المنورة في حي الأزهري تحديداً في مزرعة الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه والخليفة الثالث الملقب بذي النورين لزواجه أبنتي الرسول ﷺ رقيه وأم كلثوم لما قدم الرسول ﷺ إلى المدينة لم يجد ماءًا عذب يشرب منه المسلمين إلا بئر رومة وكانت ركيَّة ليهودي لا يسمح لهم بالشرب إلا بالمال فقال رسول الله ﷺ: "من يشتري بئر رومة فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين، فاشتراها عثمان رضي الله عنه" صحيح البخاري. أشتارها ذي النورين بعشرين ألف درهم، فجعلها للغني والفقير وابن السبيل، ولازالت الناس تستقي منه حتى يومنا هذا، أي صدقة عثمان لم تنقطع لمدة تزيد عن 1400 عاماَ.